إنطلاقة…مع الريح
أخذت شهادة الثانوية العامة السنة الماضية. كنت في الخامسة والعشرين من عمري. اذ تركت قطنة في ريف دمشق عام ٢٠١٣ . اذا واجه والدي مشاكلاً على الحدود ولم يتمكن من العودة: قررنا كعائلة أن نبقى سوياً وأن ننتقل الى لبنان. لدى وصوله افتتح والدي مطعماً وكان علي أن أسانده في العمل. حاولت أن أكمل دراستي لكن النظام التعليمي في لبنان مختلف كلياً عمّا اعتدت عليه في سوريا. وانهمكت في العمل مع والدي . عندما انضممت الى مدرسة السينما في العمل للأمل وتخرجت منها، أعطاني هذا الأمر خافزاً كي أحصل على شهادة رسمية لأكمل تعليمي الجامعي. شكل فيلم “مع الريح” انطلاقتي الحقيقية. أدركت أن هذا المجال هو المجال الوحيد الذي أود أن أدرسه، وليس هنالك أي خيارات أخرى. بالرغم من إنني كنت أهوى المجال الفني في سوريا، الا أن المجتمع يعارض فكرة الفن كمهنة. العمل للأمل والإنتقال الى لبنان شجعاني أن أخطو خطوة يراها الكثيرون من محيطي جريئة..
كنت أنا وصديقي نقوم بتجارب تصوير فيديو متواضعة جداً ثم تمّ الإعلان عن ورشة عمل قصيرة للسينما تنظمها المؤسسة.اكتشفت حينها ميلي أكثر فأكثر للسينما. كنت أعلم أنهم سيعلنون عن إطلاق مدرسة السينما وهو برنامج مكثف لمدة سنة، وكنت أنتظر بفارغ الصبر كي أقدّم طلبي وتمّ قبولي. كان كل ما يحيطني في المدرسة من إختلاط مع أساتذة وسينمائيين محترفين يؤكد أن هذا هو الإختصاص الذي يجب أن أكرّس حياتي له. وعندما لمست المجال عن قرب تأكدت أكثر وأكثر من هذا الأمر..
منذ تخرجي عام ٢٠١٧، بدأت تؤمن لي دراستي في مدرسة السينما مورداً مادياً مقبولاً. فكنت أقوم بتصوير ومونتاج بعض أنشطة العمل للأمل ثم قمنا بمشاريع تصوير لمؤسسات أخرى وبت منفصلاً تماماً عن عمل أهلي..
اليوم أعيش بين بيروت والبقاع. كان أمامي خيارين: إما أن أمتّن شغفي بالسينما عبر العمل على الأرض ومراكمة الخبرات أو إكمال تعليمي الجامعي. ولكن تم ترشيحنا أنا وصديقي سليمان للحصول على منحة من الجامعة اليسوعية لدراسة السينما والدراسات السمعية البصرية. لم أكن لأفوّت الفرصة. أجروا معنا مقابلة وأثرنا إهتمامهم. في البداية، كان هنالك عائق واعتراض فيما يتعلق بسني ولكن حين حصلت على المرتبة الثانية في امتحان اللغة الفرنسية تمّ تبديد هذه العقبة وبدأت بأخذ الدروس مع سائر الطلاب..
في الجامعة اليسوعية، رأيت طرحاً مختلفاً للسينما. هنالك تركيز على الجانب التقني وهذا أمر مهم جداً أن تتاح لنا كل تلك التقنيات ومعدات التصوير والمونتاج ولكنني كنت أفتقد الى التجربة الفكرية التي تعتمد على الحوار والنقاش والتي كانت أكثر حضوراً في العمل للأمل.
في العمل للأمل كنا نتناقش ونحكي: لماذا نحب السينما وما هي رؤيتنا وتصورنا لهذا الفن؟
كنا نحضر الأفلام ونتناقش حولها مع زملائنا الطلاب وأساتذتنا. كنا كمجموعة طلاب قريبين جداً من بعضنا، نتحدث بشكل دائم حول فكرة السينما ووجودها بالمجتمع وتأثيرها وكان الأساتذة يحفزوننا على النقاش… في الجامعة، نحضر الأفلام لنجري بعدها امتحانات في تحليل الفيلم دون أن نتناقش فيما بيننا. ولكن ما هو جيد جداً في الجامعة اليسوعية هو التوجه التقني الذي يتم التركيز عليه وحجم العلاقات التي من الممكن أن نبنيها مع سوق العمل. الأساتذة ينظرون الي أنا وسليمان بنظرة مختلفة لأن مستوى النقاش الذي نبنيه مختلف.
منذ ما يقارب العام انضممت الى ورشة عمل المسرح مع المخرج أسامة حلال . سنقذّم عرضاً مسرحياً في شهر تموز الآتي. عندما كنت في سوريا، كنت أود أن أتعلم مهنة التمثيل. ففكرة السينما كانت بعيدة عن متناولنا، وكان لدي حكم مسبق أن الجانب الفني الحقيقي يكمن في حرفة الممثل. عندما تعرّفت عن قرب على السينما وعوالمها التي كانت خفية علي وجدت أن الإخراج أقرب إلي من التمثيل. لدى فتح باب التقدم الى ورشات المسرح، رأيت أنه يجب أن أجرب المسرح بنفسي. حين بدأت الدروس كنت متوتراً. قلت لنفسي “أنا مخرج وسعيد بما أقوم به..ما الذي أتى بي الى المسرح؟” مع الوقت اكتشفت أن لدي قدرات لا بأس بها في المسرح. تجربة المسرح تنعكس إيجابياً على تجربتي السينمائية، لأنها جعلتني أرى الأمور من منظور مختلف. أحاول الآن أن آخذ نفسي من خلال التمثيل الى أماكن مختلفة، وهي أماكن لا تشبهني بالضرورة. وسعت هذه الورشة مداركي..
صاحب الحكاية: أيهم عطية
الممارسة الفنية: سينما/مسرح
جمع وتحرير: منى مرعي
الزمان والمكان: ١٩ أيار ٢٠١٩ مدرسة العمل للأمل – بر الياس