الحياة ما انتهت رغم كل شي

أنا أم لستة أطفال، منهن تلاتة من زوجي الثاني.

هربت مع زوجي وأولاده وأولادي من الغوطة الشرقية بعد الهجوم الكيماوي بعام 2013 على مدينة زملكا اللي كانت قريبة علينا. نزلنا أول شي ع الشام، وكان كتير صعب زوجي يجيب أكل يكفّي لأنو كل العيلة قررت تنتقل ع الشام. هو عمره 65 سنة، ومريض. صارت الحياة ما بتنطاق بالشام، فقررنا أن ننتقل على لبنان مع ولدين لإلي، ومع بنات زوجي وولادهن. بعد ألف يا ويلاه على الحدود السورية، وبعدما اضطر زوجي يرجع ع الشام ليجيب أوراق إضافية، مرقنا ع الحدود اللبنانية مع ولديني. وصلنا على مخيم المرج بالبقاع عام 2014، اللي كان ساكن فيه إبن زوجي. كنا طول الطريق من الحدود السورية على مخيم المرج عم نحلم نوصل إلى لبنان. كنا هربانين من التفجيرات والظروف السيئة، وفكرنا إنو والله لبنان رح يكون شغلة عظيمة، وإنو رح يخلص عذابنا لما نوصل. بس لما وصلنا ع المرج ما لقينا غير خيمة صغيرة. ومو أي خيمة! خيمة عسكرية كان عايش فيها إبن زوجي وعيلته. تطلعت عليه وسألته «هلأ هون رح نعيش؟» قال «إي»! كانت صدمة مو طبيعية. اكتأبت ومرضت عنجد لفترة طويلة: صار بطني يوجعني وصرت استفرغ وهيك. بعدما دبّرنا خيمة لحالنا طلع قرار بهدم مخيم المرج ونزحنا مرة تانية على مخيم تاني ببر الياس.

بواحدة من هاللحظات الصعبة تبع اليأس والاكتئاب، فتحت منظمة العمل للأمل دورة محو أمية للنساء (2015). كانت المدرسة تبع الدورة كتير قريبة من المخيم. بلشنا لأول مرة نحس بالراحة ونحب العيشة بلبنان. خلال الدورة صرنا نعمل محادثات ومناقشات عن حياتنا اليومية. كتير فيه نساء تصالحوا بعد خناقات طويلة. صرنا أقرب لبعضنا البعض. ما كنت صدّق إيمتى يصير وقت الدورة، لأنها كانت مساحة تنفس بالنسبة إلي: حتى بفترة الراحة، كنت إركض على خيمتي وطعمي إبني الصغير وإرجع بسرعة للصف لقضّي وقت مع رفقاتي قد ما فيي. بعدين اختاروني لشارك بورشة عمل إبداعية (2016) حكينا فيها قصصنا الشخصية. حكيت عن قصص حصار الغوطة. تعلمت بالورشة شوية تقنيات عن كيف بشدّ العالم أكتر لقصتي وبخليهن يتعلقوا بتفاصيلها. عملنا عرض واحد ولقيت حالي بمنتهى السعادة: ما كنت متوقعة إنو بيوم من الأيام رح إقدر إحكي قدام مئات الأشخاص عن شغلات حميمية عن حالي. كان عرض الحكي تبعي عن زيارة لإلي للغوطة بعدما حلمت إني رجعت لهنيك. كانت القصة اللي شاركتها كتير مؤثرة وحزينة. ومع هيك قررنا ننهيها بشكل بيضحك والجمهور رجع ضحك معنا. قبل ورشات عرض الحكي والمسرح، كنت قضّي وقتي عم إبكي وفكر ببنتي اللي ضلت بسوريا، وضل قلقانة إيمتى بدي إرجع على سوريا؟ هل رح كون منيحة بكرا؟ بعدما شاركت بورش العمل، صرت أحسن بكتير، وبلشت حس بالارتياح إلى حد ما، وهالشي انعكس على عيلتي: بطل زوجي يشوفني عم إبكي طول الوقت، وصار وقتي معبّا، ووقت ولادي كمان.

أهم شي صار معي هو الإغاثة النفسية التي حسيت فيها: إنو لسه فيه أمل ولسه فيه شي الواحد بيستاهل يعيش كرمالو. الحياة ما انتهت رغم كل شي. لما صار العرض إجو كتير نساء من المخيم. وكانوا فخورين فيي، وفيه منهن انضموا للعمل للأمل بعدين.

ما كان فيه تغيرات سلبية عنجد: لما كنا بالدورة بغزة، كنت إضطر إترك إبني الصغير لحاله شي تلت ساعات (الطريق كان ياخد ساعة كاملة) وأحياناً كنت إسمع تلطيش حكي من بعض الجيران بالمخيم: إنو «بعد كل هالعمر رايحة تتعلمي مسرح؟ شو عم تعملي هالشي مشان المصاري؟».

إنو لاء، ما عم إعمل هالشي مشان المصاري، ولسه بدي كمل وإتعلم شغلات جديدة.

قصة: خيرية درويش، 39 عاماً من الغوطة، سوريا

النشاط: الكتابة الإبداعية وعرض الحكي (2015-2017)

جمع وإعداد: منى مرعي

التاريخ والمكان: الأحد 7 أيار 2017 | مركز برالياس الثقافي – العمل للأمل